صناعة التأمين .. من دونها يتوقف المشروع الحضاري للعالم
عرف العالم صناعة التأمين منذ عصور موغلة في القدم بصور وأشكال بسيطة متعددة. واستنادا إلى الموسوعة العلمية (ويكيبيديا) تشير الدلائل والمكتشفات الأثرية إلى أن بعض التجار القدماء في بابل والصين اتبعوا أشكالا من نظام نقل أو توزيع المخاطر منذ الألفيتين الثالثة والثانية قبل الميلاد؛ فأهل الصين لجؤوا إلى توزيع بضائعهم على سفن عدة، والبابليون طوروا نظاما ورد ذكره في شريعة حمورابي بموجبه يحق للتاجر الذي استلف مبلغا من المال لتمويل تجارته أن يدفع إلى الدائن مبلغا إضافيا مقابل ضمانة الأخير بأن يلغي القرض إذا ضاعت حمولة البضائع أو سُرقت في البحر.
وفي الألفية الأولى قبل الميلاد ابتكر أبناء جزيرة رودس نظاما تأمينيا عرف باسم (المتوسط العام)؛ حيث كان التجار يدفعون مبلغا من المال يُستخدم لإيفاء ديون أي تاجر تضررت بضائعه أو فقدت أثناء الشحن، سواء بسبب عاصفة أو الغرق. وذاع في روما وأثينا (عقد المخاطر الجسيمة) وهو نوع من التأمين البحري. وابتكرت جمهورية (جنوا) خلال القرن الرابع عشر الميلادي بوليصات التأمين وأول عقد مكتوب للتـأمين البحري معروف فيها، يرجع إلى سنة 1347 ميلادية.
وعرفت مدينة لندن أول شركة تأمين ضد الحريق في سنة 1706. وبحلول أواخر القرن السابع عشر تنامت أهمية (لندن) كمركز تجاري عالمي، وارتفع الطلب على التأمين البحري. وافتتح إدوارد لويد مقهى أصبح ملتقى لجميع الفرقاء العاملين في التجارة البحرية والشحن، ثم أدت هذه البداية المتواضعة إلى تأسيس سوق ائتمانية طبقت شهرتها الآفاق وعرفت بسوق (لويدز لندن) LLOYDS OF LONDON، ولا تزال كذلك إلى اليوم معلما بارزا تقصده جميع شركات التأمين وإعادة التامين وتجوس خلاله شركات وسطاء التأمين من جميع بلدان العالم.
أما تاريخ تأسيس أول شركة تأمين على الحياة فكان في إنجلترا سنة 1706 على يد القس وليم طالبوت والسير توماس ألين. والتأمين ضد المسؤولية والحوادث بدأ أيضا في إنجلترا بإنشاء شركة ركاب السكك الحديدية عام 1848. وبحلول القرن التاسع عشر قامت الحكومات الأوروبية والبريطانية بإطلاق برامج وطنية للتأمين ضد المرض والعجز ثم التأمين الاجتماعي، وكانت لألمانيا الريادة في هذا المضمار.
ولكن صناعة التأمين تطورت في هذا العصر تطورا مهمًّا وكبيرا شمل جميع أنواع الأنشطة في مختلف مجالات الحياة، بحيث لو افترضنا اختفاء التأمين -مجرد افتراض- فإن أسس النظام الاقتصادي العالمي سوف تنهار تبعا لذلك؛ فما من نشاط صناعي أو تجاري أو زراعي أو خدمي أو مالي أو فلكي أو فضائي أو طبي أو سياحي، إلى آخر مسميات الأنشطة التي يمتاز بها عصرنا الحاضر، إلا وهي بحاجة إلى تأمين ضد الحوادث والأخطار. ومثل ذلك يصدق في جميع الأنشطة البشرية التي تحتاج إلى التأمين ضد العجز والبطالة والشيخوخة والتأمين على الحياة وصناديق التقاعد، إلى غير ذلك. ولهذا فإن صناعة التأمين في اعتقادي تستحق أن تحظى بلقب (أم الصناعات في العالم).
ذلك كله وارد فيما يخص دول العالم المتقدمة، أما دول العالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص فتاريخ صناعة التأمين فيها له حديث ذو شجون، وشأن آخر متخلف.. وفيما يأتي حكاية ذلك: التأمين بين الحلال والحرام مما تقدم رأينا أن صناعة التأمين ولدت في عالم الغرب المتقدم اقتصاديا.. وهي لم تأخذ سبيلها إلى أوطاننا إلا في زمن متأخر. ولعل مصر هي أول دولة عربية نشأت فيها صناعة التأمين حوالي سنة 1883.
وسأحاول هنا التركيز على بداية التأمين في دول الخليج العربي ودولة البحرين على الخصوص؛ بمناسبة انعقاد أحد المؤتمرات التأمينية المهمة فيها هذه الأيام. وفي ظني أن مجتمع البحرين تنبه لأهمية التأمين خلال أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، على الرغم من أن أول شركة تأمين وطنية كانت في مجال تأمين السيارات والمركبات تحت اسم (صندوق التعويضات التعاوني( سنة 1955. وقد شاركت مع كل من قاسم أحمد فخرو وعبدالرحمن الباكر في وضع القانون الأساسي للصندوق، ثم عهد إليَّ خلال الستينيات الماضية أن أتولى منصب الأمين العام للصندوق حتى تم تحويله إلى شركة مساهمة، ولذلك قصة طريفة لا مجال لشرحها هنا. وقبل إنشاء الصندوق وجدت شركات تأمين أجنبية ثم عربية ثم كويتية.. إلخ. أما أول شركة تأمين بحرينية خالصة برأسمال بحريني فتم إنشاؤها عام 1976 هي شركة التأمين الأهلية، وكنت مشاركا في تأسيسها ومجالس إداراتها ورئاسة مجلس إدارتها فيما بعد.
ويرجع سبب تأخر البلدان الإسلامية والعربية في صناعة التأمين ودول الخليج خاصة ومنها البحرين إلى عدة أسباب -فيما أرى- من أهمها ما يأتي:
أولا: عدم وجود الوعي بأهمية التأمين بجميع فروعه، ونظرة المجتمع إلى الحوادث والكوارث على أنها قدر من الله. وفي البحرين حتى بداية الأربعينيات من القرن العشرين كانت السفن تغرق في البحر بأثقالها.. فتؤدي إلى إفلاس أصحاب السفن والتجار الصغار أصحاب البضائع، إضافة إلى إزهاق الأرواح، فيتقبل الناس تلك المصائب على أنها قضاء وقدر من الله، ثم ينبري أصحاب الخير والقلوب الرحيمة إلى جمع التبرعات للمتضررين بما يكفي وأحيانا كثيرة بما لا يكفي من المال أو المتاع. ومثل ذلك يحدث بالنسبة إلى أصحاب المنازل التي ينالها الحريق، وكان معظمها مشيدا من سعف النخل. ويسمع المارة أصوات أجراس الحريق التي وضعها مستشار الحكومة السيد تشارلز بلجريف في جميع حارات المنامة وبعض المدن الأخرى، فيهرعون لإطفاء الحريق بطرق بدائية لا يسلم من أذاها كثير منهم. وذاكرة التاريخ في البحرين مليئة بمآسي تلك الحرائق التي كانت تلتهم أحياء سكنية بكاملها من بيوت سعف النخيل، ولا تستثني من ذلك المساكن الحجرية أيضا والأسواق بما فيها أسواق الخضار. وبين عويل النسوة وصراخ الأطفال والجنون المطبق على ملاكها وساكنيها ورجال الإطفاء من البلديات في صراعهم لإطفاء الحريق.. كانت تنتشر الشائعات الشعبية متهمة مستشار حكومة البحرين السيد تشارلز بلجريف بأنه وراء إشعال الحريق للقضاء على المنازل المبنية من سعف النخل!! وهي شائعات لم يثبت عليها دليل ملموس.
وشهدت في طفولتي وأنا أطل من شرفة منزلي في فريق المخارقة -في حريق شبّ في منزل جيراننا هو بيت الماحوزي، وكنت أحضر فيه عند معـلّم القران- مناظر مرعبة لا تزال عالقة بذهني وأنا طفل صغير. لقد كان والدي لا يستقر فوق سطح منزلنا جيئة وذهابا خوفا من انتقال النار إلى بيتنا، ووالدتي منهمكة في قراءة الدعاء والتضرع إلى الله، وأنا وأخوتي نكاد نرتجف فزعا.. ولم يمنعني كل ذلك الفزع من الضحك الطفولي حين رأيت (أبو داود) المشهور في حارتنا بالشجاعة والإقدام راكبا دعامة خشبية (دنجلة) وهو يقطعها بالمنشار فتسقط به إلى الأرض المشتعلة بالنيران.. ثم يهب الناس لإنقاذه.
وكان والدي -رحمه الله- يمتلك بعض السفن الشراعية والقوارب ذات المحركات في شؤون تجارته، ثم غرقت له بعض تلك السفن بأحمالها، فكان يتجلد بالصبر ويشكر الله على سلامة الربان (النوخذا) وسلامة البحارة معه من الهلاك، وهو يجيبني حين سألته متمثلا بهذا البيت من الشعر: (أذا سلمت رؤوس الرجال من الأذى ** فما المال إلا عــدّة للنوائب).
أما السبب الآخر -وهو الأهم في نظري- لعزوف المجتمع عن التأمين بكل أشكاله فهو الاعتقاد الشائع بوجود شبهة شرعية في التأمين وأنه حرام شرعا، ولا سيما الاعتقاد أنه يتدخل في قضاء الله وقدره. ونحن لا نزال نتكلم عن عصر الثلاثينيات من القرن الماضي وما قبله. أما ما بعد ذلك فمعظم من كانوا على هذه العقيدة من أصحاب الأعمال إنما لجؤوا إلى التأمين اضطرارا ربما.. واقتصر معظمهم على التأمين البحري وتأمين المركبات الذي أصبح تأمين الطرف الثالث فيه إلزاميا بموجب القانون. وانصرفوا عن شراء أنواع أخرى من التأمين كالتأمين على الحياة وممتلكاتهم الخاصة والتأمين الصحي والسفر والذمم المالية وغيرها من صنوف التأمين السائدة في بقية دول العالم. والشاهد على ذلك هو أن شركات التأمين لا تزال إلى اليوم تبذل جهودا لترويج تلك الشرائح من التأمينات فلا يقتنع بها إلا القليل. ويبدو أن ازدهار شركات التأمين الإسلامية يستند إلى جذب هذا النوع من العملاء، شأنها شأن البنوك والمصارف وبيوت المال الإسلامية.
.
الحلال بيِّن والحرام بيِّن
لا أدّعي أن لي أي صفة للإفتاء، ولكني عثرت على بعض الآراء الفقهية رأيت من المناسب في هذا المقال عرضها للاستئناس بها عند من يقول إن التأمين فيه شبهة التحريم.
1- لدي مقال منشور في إحدى الصحف بقلم الدكتور عبدالهادي الحكيم بعنوان: (ليس في التأمين من تحدٍّ للقدر الإلهي ولا مخالفة لقواعد الميراث)، أقتطف منه فقرتين اختصارا:
الفقرة الأولى، يقول فيها: «ذهب القائلون بعدم مشروعية عقد التأمين التجاري، وخاصة عقد التأمين على الحياة، إلى أن فيه عدم ثقة بقدر الله عز وجل، بل فيه تحـدّ له. والتأمين يتنافى مع التوكـّل، ولذلك فهو عقد غير مشروع. وهو إشكال لا يحتاج إلى طول عناء؛ ذلك أن التأمين ليس ضمانا لعدم وقوع الحادث الخطر المؤمن منه، كما يتوهم من يرى أنه تحـد للأقدار؛ لأن هذا فوق قدرة الإنسان، وإنما التأمين ضمان لترميم آثار الأخطار إذا تحققت ووقعت، وهو تحويل لهذه الأضرار عن ساحة الفرد المستأمن الذي قد يكون عاجزا عن احتمالها إلى ساحة جماعية تخف فيها وطأتها على الجماعة حتى تنتهي إلى درجة ضئيلة جدا، بحيث لا يحس بها أحد منهم، إضافة إلى أن الإنسان غير قادر على تحدّي القدر الإلهي كي يكون ذلك محرما عليه. واتخاذ الوسائل العقلانية لدفع المرض أو إبقاء سلامة الجسم ليس تحديا للقدر الإلهي، بل هو كالذهاب إلى الطبيب للفحص أو المعالجة وكاستخدام أي نوع من أنواع الحصانة ضد الأمراض أو الأوبئة. وليس في ذلك ما يضير شرعا».
الفقرة الثانية، حيث يقول: «لقد وجهت سؤالا إلى السيد علي الحسيني السيستاني من كبار فقهاء النجف الأشرف بالعراق حول ما إذا كان مبلغ التعويض الذي تدفعه شركة التأمين التجاري للمستفيد يلحق بتركة المتوفى؟ فأجاب بأنه خارج عنها. وسألته: «ما إذا اشترط المؤمن له أن يكون مبلغ التعويض لورثته بصورة مطلقة، فهل يوزع التعويض بينهم بنسبة حصصهم الإرثية؟» فأجاب بقوله: «يوزع بينهم بالتساوي، إلا إذا كانت هناك قرينة على التوزيع بحساب سهامهم من الإرث أو غير ذلك».
وبالإضافة إلى الفقرتين فقد وجه الدكتور الحكيم أسئلة إلى السيد السيستاني والسيد جواد التبريزي والسيد أبو القاسم الموسوي الخوئي عن أقساط وتعويضات التأمين على الحياة فأقـر كل منهم بتوزيعها، كما أشار أيضا إلى ذهاب الدكتور أحمد السعيد شرف الدين من فقهاء وباحثي المذاهب الأربعة إلى هذا الرأي.
2- وفي كتاب (الإسلام وقضايا العصر) للعلامة موسى عز الدين (صفحة 11-41) بحث موسع فيه دفاع عن مشروعية التأمين، بما في ذلك التأمين على الحياة، ومما جاء فيه:
– التأمين الذي يتم بعقد صحيح بين المؤمن والمؤمن له لا مجال للطعن في صحته من الوجهة الشرعية… ومن التجـنّي على صناعة التأمين تقييمها من حيث الحلال والحرام؛ لكونها ضمانة وخدمة يستفيد منها المؤمن لهم، بدليل أن المؤمن له يطلب تلك الخدمة طواعية من دون إكراه (فيما عدا تأمين الطرف الثالث).
– صناعة التأمين من الأنشطة الاقتصادية الطارئة على المجتمع الإسلامي خلال القرن الحديث، فلا وجود لنص سابق حولها بالتحريم أو التحليل لدى أئمة المسلمين قبل التاريخ المذكور. وكل ما يقال عن التأمين اليوم، والتأمين على الحياة بالأخص، لا يعدو كونه اجتهادا. ومن الاجتهادات ما هو مؤسس على معرفة يقينية بصناعة التأمين ومضامين النصوص في العقود بين المؤمن والمؤمن له.. فتأتي الفتوى في معظم تلك الأحوال في صالح التأمين. كما أن من الاجتهادات ما يميل إلى اعتبار التأمين باطلا أو غير مشروع، ومعظم تلك الاجتهادات الرافضة غير مؤسسة على المعرفة التامة بصناعة التأمين وماهيتها.
ثـمّ يبدأ العلامة موسى عز الدين في استعراض عدد من الحيثيات الشرعية التي بموجبها يكون عقد التأمين صحيحا شرعا.. وهي كثيرة نقتصر منها على ما يأتي:
1- عند بعض المجتهدين ينطبق على التأمين عنوان (الجعالة)، والجعالة لا تحتاج إلى صيغة خاصة، بل يكفي فيها ما دلَّ على المطلوب بأي لفظ كان؛ كأن يقول «جعلت لمن يعينني على نكبات الدهر وحوادث الأيام بأنواع التعويضات وقيم المتلفات التي تلحقني من كل سبب»، (سماويا كان أو أرضيا بخطأ فيّ أو عمد)، إلى مدة سنة أو سنين معينة.. جعلت له مبلغا مقداره كذا… أدفعه قسطا واحدا أو أقساطا، (حسبما يتفقان في عقد التأمين)، فيقوم المؤمن بدوره بالأعمال الثمينة ذات الكُلف الوافرة من مثل إعداد مركز يؤوي الوكلاء والخبراء والكتبة وسائر ما له دخل في رعاية حق المستأمن (بما في ذلك الفحص الطبي وتشخيص الأمراض). فهذا هو العمل المجعول عليه المحترم مع الضمانات التي يقوم بها المؤمن. وهل يرتاب عاقل في كون ما يقوم به المؤمّن عملا له وزنه وقيمته وكلفه في نظر العقلاء وعموم العرف! فهو ولا شك داخل في صلب الجعالة الشرعية، فكل ما يراه العرف عملا محترما يقابل بالأموال فهو عمل محترم عند الشارع ما لم ينص الشارع على سلب احترامه كعمل الأصنام أو آلات القمار أو كل ما نصّ الشرع على تحريمه.
2- وذهب بعضهم إلى أن عقود التأامين ينطبق عليها مبدأ (مسيس الحاجة) المشروع، إذ جعل مسيس الحاجة إلى ضمان مال (الجعالة) -أي أقساط التأمين- قبل العمل مسوغا للضمان. ويعد (مسيس الحاجة) إلى عقود التأمين في هذا العصر أشدّ وأعظم مما استدلّ به الفقهاء السابقون بالنسبة إلى مفهوم مسيس الحاجة في ذلك العصر. ثم يعلق الكاتب على من يرى أن التأمين على الحياة فيه تحدٍّ لإرادة المولى عـزّ وجل، فيقول: ليس في عقد التأمين نص يقول إن المؤمّن يضمن عدم وقوع الخطر أو يستطيع إطالة الأعمار أو تقصيرها.. فالنظر من هذه الزاوية إلى أعمال صناعة التأمين يتّـسم بالسذاجة والتزمّت من غير دليل بــيّن.
3- وقبله بعضهم (يقصد المجتهدين والتأمين) على مبدأ (ضمان الجريرة)؛ كأن يقول احد المتعاقدين: (دمك دمي وثأرك ثأري، وحربك حربي، وسلمك سلمي، وترثني وأرثك، فيقول الآخر قبلت. أو أن يقول أحدهم عاقدتك على أن تنصرني وتدفع عني وتعقل عني وأعقل عنك فيقول قبلت)، فهذا النوع من التعاقد الضماني دلّـت عليه الأدلّـة الخاصة من أفراد العقود التي يجب الوفاء فيها.
4- ووافق على عقد التأمين الصحيح بعض آخر على أساس (العهد) ونصوص الوفاء به. (أوفوا بالعقود، وأوفوا بالعهد)؛ ومن صور ذلك التأمين بطريق العهد أن يقول المستأمن: على عهد الله أن أدفع لك ألف دينار أقساطا أو قسطا (حسبما يتفقان) إن بقيت حيا إلى مدة خمسين سنة.. فيقول المؤمن: على عهد الله أن أرجع إليك هذا المال كله أو أضعافه إلى ورّاثك إذا منع من حياتك أي سبب كان قبل أن تمــرّ بك خمسون سنة من هذا التاريخ. ولا يشترط في العهد اللغة العربية، كما لا يشترط كون المعاهد مسلما، فإنه يقع من المسلم وغيره لعموم الدليل أو إطلاقه. وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يلتزم بعقود المعاهدة بينه وبين المشركين التزاما مبرما.
5- وعن السيد المجتهد محسن الحكيم في منهاج الصالحين ص42 قوله: عقد التأمين للنفس أو المال المعبـّر عنه في هذا العصر (بالسيكورتيه) صحيح إن كان للمتعهد بالتأمين عمل محترم له مالية وقيمة عند العقلاء… إلخ).
.
وأخيرا.. الـتأمين بين البداية والنهاية
هرع عموم المسلمين بدافع الأيمان العقائدي على وقع فتاوى علماء متزمّـتين غير ملمّـين بشؤون التأمين وأنشطة شركات التأمين في العالم إلى الابتعاد عن شراء بوالص التأمين بشبهة مخالفتها الشرع الإسلامي؛ فتأخرت في العالم الإسلامي والعربي صناعة التأمين عن مثيلاتها من دول العالم. وعانت جراء ذلك شعوب وحكومات، ثم اجتهد الفقهاء بدافع الضرورة وبذلوا جهودا في التعرف على هذه الصناعة وتفقهوا فيها ثم وصلوا إلى الأحكام والفتاوى في مشروعية عقود التأمين ولو بعد حين.
وتشهد منصات وصالات فنادق البحرين عند كتابة هذا المقال مؤتمرا تأمينيا دوليا حول صناعة التأمين من قبل شركات التأمين وإعادة التأمين في مجموعة الدول الإفريقية الآسيوية، يشارك فيه ممثلون من جميع دول العالم تقريبا. وتغمرني السعادة بأن تحتضن البحرين مثل هذه المؤتمرات في شتى مجالات الأنشطة الاقتصادية والسياسية والمالية والثقافية والاجتماعية والتنموية وما شابه ذلك، وأن تزدحم عرصاتها بوفود تحمل عقولا ذوات فكر ومعرفة. والله الموفق
.
بقلم: تقي محمد البحارنة
الجمعة ٣ نوفمبر ٢٠١٧