التسامح ومكارم الأخلاق في شعر العصور الأولى (3/3)
في السماحة وكرم الأخلاق سمـّو في الذات، ونقاء في الـّضمير، وطمأنينة في النفس يرزق بها الحليم ويحرم منها الـلئيم، وتتصالح فيها النفوس … فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنـّه ولـّي حميم. وفيما يلي نماذج مما حفل به الشعر القــديم حول السماحة وكرم الأخلاق:
**
1 – لا يحمل الحـقد من تعلو به الـّرتب * ولا ينال العلا من طبعه الغضب
(عنترة ابن شداد العبسي)
2- وما أنا بالــّنكس الـدنـّي ولا الذي * إذا صـّد عنه ذو المودّة أحـرب
ولكنـّني ما دام دمت فأن يكن * له مذهــب عـّني فلي عنــه مذهــــــب
ألا أنّ خير الـّود ودّ تطـوّعت * له الـّنفس ..لا ودّ أتي وهـــو متعـــب
( شاعر من بني أسد)
3- وذي رحم أحال الدهر عنه * فليس له لذي رحم حـريم
أصاب الدهر أمـن مــــروتيه * فألـقاه المصاحب والحميم
مـددت له يمينا من جـناحي * لها وفـــر وكافــية رحـــــوم
أواسيـه على الأيـّام أنـّـي * أذا قــعدت بــه اللِــّؤمى ألـوم
( تأبـّط شـرّا – جاهلي من أشهر صعاليك العرب )
*
4 – معن ابن أوس المزني _ من العصر الجاهلي أدرك الأسلام سار شعره بين الناس واستشهد به اللغويون وكثير من أشعاره تضمنت بعض الحكم والأمثال مثل قوله المشهور:
(أعـلـّمه الرماية كل يوم * فلـّما اشتــد ساعده رماني )
ولمعن ابن أوس أشعار في التسامح منها هذه الابيات من قصيدة طويلة:
وذي رحم قـّلمت أظفــار ضغـنه * بحـلمي عنــه وهــو ليس لــه حــلـم
..فـما زلت في لينـي له وتعــّطفي * عــليه كما تحنــو على الـولد الأّم
وخفضي له مـّني الجناح تألــّفا * لتـــدنيــني منــه الـــقـرابـة والـــّرحـــم
وصبري على أشياء منه تـريبني * وكظمي على غيظي وقد ينفع الكظم
لأستـّل منه الضـغن حتى استللته * وقد كان ذا ضغـن يضيق به الجـــرم
رأيت انثلاما بيننا فـرقـــعته * برفــقي وأحيــائي …وقــد يرقـــع الثــّلــم
وأبرأت غـّل الصــدر منه توسـعا * بحــلمي كــما يشفــى بالأدوية الكلـم
وأطفأ نار الحرب بيني وبينـه * فأصبح بعــد الحرب وهـــو لنـا ســلـــم
*
5- المقـّنع الكندي :عاصر العهد الأموي -عرف بالأنفاق وحب العطاء فأنفق ما تركه له والده حتى ركبته الديون وعاتبه قومه فأجابهم بقصيدة من بينها هذه الأبيات:
يعـاتبني في الـّدين قومــي وإنما * ديـوني في أشياء تكسبــهم حــمـدا
فما زادني الأقـتار منهم تقــّربا * ولا زادني فضل الغـنى منهم بعدا
وأنّ الذي بيني وبين بني أبي * وبــين بنــي عـمّــي لمخــتلف جــــّـدا
فأن يأكلوا لحمي وفـرت لحومهم * وأن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن زجروا طيرا بنحس تمـّر بي * زجرت لهم طيـرا تمــّر بهم سعدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم * وليس رئــيس القــوم مــن يحمل الحقدا
لـهم جـّل مالي أن تتابع لي غنى * وإن قـــّل مالي لــم أكـّلفهم رفـــــدا
وأنـّي لعبد الضيف ما زال ثاويا * وما شيــمة لي غــيرها تشبه العـبدا
**
وختاما أقول أنه كان في عصر الجاهلية حكماء وعقلاء ومصلحون وسعاة للخير والتسامح بجانب ما عرف عنه من سؤات. وأما أشعار التسامح في العصور الإسلامية فهي تحصيل حاصل ويكفينا منها ما ورد في الكتاب المبين وسيرة نبي الأسلام وال بيته وأصحابه والصالحين من عباده.ومن يعمل خيرا يجزبه ولله المثل الأعلى.