أتحاد العمل البحراني

(للعمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة)

من ذكريات تقي محمد البحارنة

مقدمة تاريخية:


في التاريخ الحديث للحركات الوطنية في البحرين، تشكل القضايا العمالية محورا أساسيا منذ بداياتها في أوائل القرن العشرين. ففي الفترة التي سبقت استخراج النفط (1930) و ماقبلها كانت الطبقة العاملة الكثيفة التي تتشابه في ظروف العمل ومستوى المعيشة هي طبقة الغواصين اللذين كانو يعملون في صيد واستخراج اللؤلؤ وما يتعلق بذلك من جمع المحار، وفرزه وتنظيفه، وأعداده ليصبح صالحا للبيع والتجارة. أما الطبقات الأخرى فكانت تشمل الفلاحين، والعاملين في البناء، وغيرهم من المستخدمين في أعمال الخدمات. وهؤلاء مختلفون من حيث ظروف العمل، والأجور ومستويات المعيشة.

وقد سجل المؤرخون بداية المطالبة بالأصلاحات العامة والاصطدام مع سلطات الحماية البريطانية، وذلك في عام 1904 /1905. وكانت الموجات الجماهيرية خليطا من كل أولئك، مما أدى الى مضايقة المقيم السياسي البريطاني الميجر (برسي كوكس). وينطبق مثل ذلك على أحداث عام 1914 والمعروفة بانتفاضة علماء الدين المشهورة، أما أحداث عام 1919 فقد قام بها الغواصون بالذات لتحسين أحوالهم والتي عرفت بثورة (الخير). ثم تلت ذلك أحداث 1920 والتي شاركت فيها شرائح المجتمع بمختلف فئاتها. تلت ذالك أحداث عام 1923 المشهورة. وفيما بين الأعوام 1926 و 1932 شهدت البحرين سلسلة من التظاهرات قام بها الغواصون احتجاجا على القوانين الظالمة لتحديد نظام القروض للغواصين وأصحاب السفن (النواخذة).ثم تطورت الى مطالبات أصلاحية أخرى، وذلك على أثر كساد سوق اللؤلؤ عام 1929.

وحينما بدأت في البحرين صناعة النفط (1932) أجتذ بت شركة النفط (بابكو) معظم الايدي العاملة وذلك رغم قلة الاجور وظروف العمل السيئة واعتماد الشركة على التعاقد مع الوسطاء لتوفير العمال.لهذا بدأت مشاكل العمال وشكاواهم من قلة الاجور والظروف السيئة للعمل، تظهر الى السطح أبتداء من عام 1938 وحتى عام 1942.حيث شهدت البلاد الاضرابات والمسيرات، وقامت الشرطة باعتقال أعداد من المتهمين بتأجيجها، ثم أنزلت السلطات البريطانية قوات كبيرة لقمع المتظاهرين واعتقال عدد اخر منهم.

ومن الجدير بالملاحظة في هذا الصدد فيما يتعلق بما ذكر من احتجاجات ومطالب أصلاحية سواء من قبل الغواصين أو العمال أو الوطنيين ذوي المطالب الاصلاحية.. أن السلطات في معظم الأحوال كانت تتجاهل عامدة الأسباب الرئيسية لها، وطرق معالجتها بأسلوب سليم، لكي يقتصر همها الوحيد على القمع والأعتقال والتسفير..والبيانات الغامضة عن الاخلال بالأمن العام.وكأنما أمن المواطن وتحسين ظروفه المعيشية وشروط العمل كلها أمور ثانوية لا أهمية لها. وقد تشكلت في معظم تلك الحركات هيئات قدمت مطالبها الى السلطات، وبدلا من أغتنام فرصة الإصلاح بالتفاوض مع تلك الهيئات المعروفة بوطنيتها وأخلاصها لبلدها، فقد قامت السلطات باعتقال أولئك الممثلين في معظم الأحوال، أو ملاحقتهم أو تسفيرهم.. حدث ذلك فيما قبل عهد مستشار حكومة البحرين السيد بلغريف، ثم حدث بصورة أشد أثناء عهد المستشار المذكور بأسناد من سلطة الحماية.

في مثل تلك الظروف ذات المشاكل العالقة مع فئات العمال، ودعاة الأصلاح والتغيير، تمخض الجو السياسي عن ولادة حركة سياسية شعبية عارمة تحت أسم (الهيئة التنفيذية العليا) والتي تغير اسمها بعد اعتراف حكومة البحرين بها الى (هيئة الاتحاد الوطني) ..وبغض النظر عن الموضوع السياسي، فأن أحوال العمال عند نشوء " الهيئة " كانت تتردى الى الأسوء..ولم يكن التذمر العمالى أنذاك مقتصرا على عمال شركة (بابكو) التي تمادت في فصل العمال، واستبدالهم بالأجانب والتضييق على حقوقهم، بل تعداه الى شركات كبرى في المقاولات مثل شركة (أكمي) وغيرها. حيث لعبت تلك الشركات دورا مهما في التخفيف على شركة (بابكو) عن طريق ضم العمال اليها مما أدى الى فقدان حقوقهم المكتسبة من الخدمة الطويلة مع (بابكو) الأمر الذي أثار المزيد من الاحتجاج والتذمر العمالي.

ولما كان عمال البحرين على مختلف فئاتهم، هم اكثر اللذين تحمسوا لنشاط (الهيئة) وساندوها في أنجاح الاضرابات والامتناع عن العمل التي قامت بها (الهيئة) وكانوا هم المتضررين الأكثر من جراء تلك الاضرابات سواء بسبب فقدان رواتبهم وتعريضهم مع عوائلهم للجوع، أو بسبب تهديد الشركات لهم بالفصل من أعمالهم، أو منع الترقيات عنهم.. الى غير ذلك..وبسبب كل ذلك، ولكون مطالب العمال المشروعة كانت و ماتزال من أولويات كل مواطن غيور، فاننا لا نستغرب أن تكون تلك المطالب العمالية من أولويات الحركات الوطنية ولا سيما حركة (ألهيئة) لهذا جاء في المطالب التي تقدمت بها (الهيئة) عند تأسيسها ما يلي : 

(السماح بتأليف نقابة للعمال ونقابات لأصحاب المهن الحرة تعرض قوانينها ولوائحها على المجلس التشريعي لاأقرارها..)

يقول السيد عبدالرحمن الباكر بهذا الصدد في مذكراته المنشورة ما يلي :

(ص-157 – كان تأليف نقابة العمال وسن قانون عادل للعمل من مطالب الشعب الرئيسية التي تقدم بهاممثلوه الى المسئولين، والتي تدل على ما تحتله القضية العمالية من مكانة بارزة بين قضايا المجتمع الاخرى. ولاغرو أذا ما اعتبر الشعب ا، أي حل لتلك القضايا لا يتضمن أنصاف الطبقة العاملة والاعتراف بحقوقها الثابتة، هو حل مبتور لا يرضى به ولا يقره..)

فيما عدا ذلك فقد طرأت على الساحة في عهد الهيئة أبتداء من عام 1955 مشكلة عمالية فرعية تخص أصحاب السيارات والتأمين الألزامي من خلال شركات أجنبية مستغلة..وقد عولجت هذه المشكلة بمهارة من قبل السيد عبدالرحمن الباكر (سكرتير الهيئة) بأنشاء المؤسسة التعاونية (صندوق التأمين التعاوني) الذي شاركت في وضع قانونه الأساسي مع المذكور بالأضافة الى المرحوم قاسم أحمد فخرو.

 

أتحاد العمل البحراني:


أنشأت (الهيئة) بمجهودات من قبل عبد الرحمن الباكر هذه الهيئة العمالية للعمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة.ويقول الباكر بهذا الصدد في مذكراته (ص 86) ما يلي:

(..في غمار هذه المعمعة قررنا تأسيس نقابة للعمال دون الحصول على أذن من الحكومة، وقبل الانتهاء من سن قانون العمل والعمال. وقد أقبل العمال على الاشتراك في النقابة أقبالا منقطع النظير وبصورة لم يكن أحد منا يتصورها مما يدل على أن الوعي العمالي أقوى بكثير مما يروجه المرجفون من جهلهم وعدم تفهمهم لأوضاعهم.وعلى أثر تأسيس أتحاد نقابة العمال أرتجت الأوساط النفطية والأستعمارية لهذا الأجراء الذي لم يكن متوقعا حدوثه بهذه السرعة وانزعجوا وتضايقوا منا وجاء الانكليز كعادتهم يحذرون من الاندفاع دون أيجاد قاعدة أساسية ويهددون بسحب عطفهم على الحركة...)

وبصدد ما اضطرت اليه الحكومة لمباشرة وضع قانون للعمل والعمال، يقول في موضع اخر (92 -93) من خلال جواب الهيئة على مذكرة الحكومة البريطانية، والمؤرخ29-3-1955 ما يلي :

(.. ذكرتم في نية حكومة البحرين سن قانون شامل للعمل والعمال بمساعدة المستر أوزلي الخبير العمالي البريطاني في الشرق الأوسط.ونحن مع ترحيبنا بهذه الخطوة ألا أننا نود أن نشير الى أن مثل هذا القانون كان من الواجب أصداره قبل عشر سنوات على الأقل كما أن هذه النية لم تظهر أخيرا ألا نتيجة لبروز الوعي العمالي بوضوح، وتكتل العمال في نقابة موحدة تدافع عن مصالحهم وحقوقهم بعد أن يئسوا من أقدام الحكومة (التنفيذية) على عمل أيجابي يصون مصالحهم...)

ثم يضيف الباكر في مرحلة أخرى قوله (ص-157/158) :

(... لقد كان المنتظر أن يتم أصدار قانون العمل والاعتراف الرسمي بحق العمال في تشكيل نقابتهم الموحدة قبل انتهاء العام الميلادي المنصرم (يعني عام 1955) – ولكن تشدد بعض أصحاب العمل المدللين وتمسكهم بوجهة نظرهم الأستغلالية كل ذلك أدى الى تأخير هذا القانون وعدم الفراغ منه حتى الان..) ثم يضيف في فقرة أخرى (... لقد أصدر العمال مؤخرا في بيانهم المؤرخ 23 فبراير 1956 والذي تضمن التعبير عن وجهة نظرهم في عدد من النقاط المتعلقة بقانون العمل والنقابة، وقد سلمت نسخة منه الى الحكومة، فمماذا فعلت لأنصافهم...)

وعلى الصفحة 180 وما بعدها من مذكرات الباكر، أشارة الى الأزمة التي حدثت أثناء مناقشة مسودة قانون العمل والعمال بين ممثلي العمال و ممثلي الشركات، حيث يقول:

(.. لقد أخذت الحكومة بمبدأ موافقة الطرفين لاقرار القانون، وهو مبدأ غير صحيح، نظرا لاستحالة تطبيقه ولانعدام كفة التوازن بين كل من جانب العمال وأصحاب العمل. أذ كيف يجوز أن تعطي الحكومة لعدد محدود من الشركات التي كانت ولا تزال تستفيد من نفوذها الواسع العريض لظلم العمال وأرهاقهم، نفس الحق الذي يعطى لفئات العمال المغلوبة على أمرها والتي تمثل غالبية المجتمع !..)

كما تتضمن الفقرة الأخيرة من كلام الباكر تصورا لفلسفة الهيئة تجاه قضايا العمال والتي يقول فيها..عن سياسة الحكومة بصدد العمال :

(... أنها لا تزال تنظر الى مشاكل العمال وكأنها قضايا متناثرة لا رابط بينها، بدلا من أن ترسم لها سياسة أصلاحية شاملة تستوعب القضية العمالية برمتها وتعالجها من جميع نواحيها، بوضع قانون للعمال وتعويضات الأصابات، و تأليف نقابة للعمال، وتحديد مستوى أدنى الأجور، والسيطرة الكاملة على الهجرة الاجنبية وتحديد نسبة المواطنين في الأعمال، ومكافحة البطالة والعوز المادي والعناية بشئون الأنتاج، وأنماء الثروة المحلية، كل هذه وغيرها أجزاء مترابطة لا يمكن فصلها عن الاخر، وكل تسوية تقوم على أساس تجزئة هذه القضايا وتحقيق شطر منها دون الاخر، لن تؤدي الى النتيجة المتوخاة من تنظيم الحياة العمالية ووضع أسسها الصحيحة وبالتالي تحقيق الاستقرار العمالي المنشود ...)

 

قصة أول نقابة عمال في الخليج:


كان من الممكن تدوين تاريخ أول اتحاد عمالي في البحرين وفي دول الخليج العربي من واقع سجلات " اتحاد العمل البحراني" المرتبة، ويومياته المدونة، وبطاقات الأعضاء المرقمة، لولا ما ال اليه وضع (الهـيئة) السياسي بعد اعتقال اعضاءها وملاحقة الناشطين فيها ومن بينهم من كان عضوا في الهيئة الادارية لاتحاد العمل. وقد حالت ظروف الاحتقان السياسي منذ اواخر 1956، والتشرذم، والتشرد والهموم الخاصة ومصارع الاقدار – دون التفرغ لجمع المستندات ورصد الوقائع وتسجيلها.

وفي اخر اجتماع للهيئة التنفيذية لاتحاد العمل بتارخ 15 فبراير سنة 1958 – تم أقرار حل الاتحاد (أختياريا) وأغلاق مكاتبه ومقره الرئيسي على النحو التالي :

1- أيداع مالية الاتحاد في البنك البريطاني للشرق الاوسط تحت أشراف أمين الصندوق السيد أحمد الجابر.

2- أعادة الاثاث المستعار من مجلة (صوت البحرين) الى السيد أبراهيم حسن كمال. ثم حفظ البطاقات والاثاث المتبقي والسجلات الخاصة بالمكتب لدى نائب الرئيس السيد محمد قاسم الشيراوي.

3- أبلاغ السكرتير الاداري لحكومة البحرين المستر (سميث) بذالك، والذي وعد بدراسة الموضوع والاجابة عليه. ثم جاء الجواب على لسان السيد يوسف الشيراوي أذ اتصل تلفونيا بالسيد تقي البحارنة وأبلغه أن صاحب العظمة يرى أن يبقى الوضع على ما هو عليه. ولما كان النشاط العمالي محظورا انذاك، وأهداف الاتحاد أصبحت غير ذات موضوع.وقانون العمل الجديد لا يشمل قيام اتحاد عام لنقابات عمالية، وانحلال كيان مجلس الأدارة وتفرق أعضائه عنه.فقد راى الاعضاء المضي في تنفيذ خطة أغلاق المكتب، ومن ثم تكليف السيد محمد قاسم الشيراوي بالاتصال ثانية بالمستر سميث وتسليمه صورة من هذا القرار.

وقد احتفظ السيد حسن علي المدني (أمين سر المجلس) بسجلات محاضر جلسات الاتحاد.. كما احتفظ السبد محمد قاسم الشيراوي بالباقي من الاوراق والسجلات والاثاث وبطاقات العضوية وغيرها. وصارت بيني وبينه مراحعات عديده على فترات من الزمن لتفريغ تلك المعلومات والكتابة عنها ولم تسفر عن نتيجة.

 

من حديث الذكريات:


واليوم..فأن البحرين في عهد المشروع الاصلاحي لجلالة الملك المعظم،تشهد مرحلة جديدة في تاريخ العمل النقابي المنظم. يهدف الى تحقيق مكتسبات عمالية طال انتظارها، كما تشهد وعيا عماليا وجماهيريا مشرقا، وقيادة عمالية ونقابية متوثبة ومخلصة ومسئولة. لذلك وجدت من المفيد تسجيل ما علق بذاكرتي عن اتحاد العمل البحراني و مسيرته حرصا على تجذير تاريخ العمل النقابي في البحرين.، وتدوين بعض الحقائق والأفكار والملابسات التي أحاطت بتكوين الاتحاد المذكور وذلك مع الاعتذار سلفا للقارىء الكريم، عن مغبة الخطأ والنسيان:

 

أولا - التأسيس:

تأسس اتحاد العمل البحراني بقرار من هيئة الاتحاد الوطني (الهيئة التنفيذية العليا) وتولى عملية التأسيس السيد عبد الرحمن الباكر بالتعاون مع أعضاء مجلس أدارة الاتحاد، وهيئته التنفيذية وهم :عبد الرحمن الباكر – محمد قاسم الشيراوي – تقي البحارنة – حسن المدني –محمد الساعي – أحمد الجابر – محمد رحمة التاجر – عيسى الحادي – حسن جواد الجشي. (ويحتمل أن مجلس الادارة كان يضم بالاضافة الى هؤلاء، اثنين على الاقل من ممثلي العمال من بينهم السيد على السيد حسين المسعود...)

وقد أسندت الرئاسة الى عبد الرحمن الباكر، ولكنه لم يكن دائم الحضور في اجتماعات المجلس، بسبب مشاغله وارتباطاته في الهيئة، واضطراره للسفر خارج البحرين، كما أنه ربما امتنع عن الحضور قصدا رغبة في عزل العمل العمالي عن النشاط السياسي. ولذلك فأن محمد قاسم الشيراوي كان يترأس الجلسات بالنيابة.

وقد أسند منصب الامين العام الى تقي البحارنة، وسكرتارية المجلس الى حسن المدني، وأمانة الصندوق الى أحمد الجابر. وكان مدير المكتب الأول أحمد علي التاجر، ومن بعده حسن عيسى الخياط. أما المقر فكان في شارع التجار بالمنامة في ملك الشيراوي (حاليا فوق متجر وبرادة علي أمين)

 

ثانيا - مهام الاتحاد وأنشطته:

1- لا يذكر أنه كان للاتحاد نظام أساسي، أو لائحة داخلية متكاملة (فيما عدى ما نصت عليه محاضر الجلسات والقرارات الادارية) وقد كان من المفروض أن يتحول أتحاد العمل تلقائيا الى اتحاد عام للنقابات الحرة في البحرين، التي كان يتوقع بموجب القانون المزمع اقراره، أن يتم انتخاب تلك النقابات في الشركات والمؤسسات العاملة في البحرين..ويعاد تشكيل الاتحاد ليصبح اتحادا عاما لجميع تلك النقابات، عن طريق التمثيل الديموقراطي، بوجود ممثل أو أكثر لكل نقابة منها في الجمعية العامة للاتحاد، التي يوكل اليها انتخاب مجلس أدارة للاتحاد. وعلى الرغم من أن أتحاد العمل البحراني كان يشمل الموظفين واصحاب المهن الحرة..، فأن كل العمال أو جلهم، من الذي انضموا اليه كانوا من عمال الشركات.

2- كانت عضوية مجلس الادارة والهيئة التنفيذية شرفية تطوعية، وكان حماس العمال في الانضمام الى الاتحاد كبيرا..حيث انضم اليه مابين خمسة الاف الى عشرة الاف عامل، وهو عدد كبير في ذلك الوقت.وكان العضو يدفع رسم دخول ثم رسم اشتراك قدره ثلاث روبيات كل شهر. ولم يطلب الاتحاد معونة مادية من أية جهة. وكان المبلغ المسلم الى البنك البريطاني عند حل الاتحاد حوالى ثلاثين ألف روبية، والمبلغ المخصص لدفع المصاريف والديون المتخلفة حوالى ستة الاف روبية.

3- أهتم الاتحاد منذ يوم تأسيسه بمباشرة حل قضايا العمال وبمناقشة مسودة قانون العمل والعمال مع ممثلي العمال في لجنة وضع القانون.

 

(أ) – فبالنسة لقضايا العمال فقد كانت متعددة مثل الفصل التعسفي – أصابات العمل والتعويض –الاجور –الخلافات بين العمال وأصحاب العمل – منح قروض للمحتاجين منهم لبناء منزل أو للعلاج.. الخ.. وكان الاتحاد يتصل بأصحاب العمل مباشرة (مثل بابكو) ويعرض الشكوى ويتم التفاهم في ممعظم الاحوال.وأذا تعذر أيجاد حل، كان الاتحاد يقوم بتفريغ الشكوى وظروفها في لائحة يرفعها الى ألى رئيس دائرة العمل والعمال الشيخ علي الخليفة، حيث يستدعي مسئول الشركة ويقوم بحلها وديا.

وعلى الرغم من أن الحكومة لم تعترف رسميا باتحاد العمل، فأن الظاهرة المشجعة التي يجب تسجيلها بهذا الصدد هي أن التعاون بين أتحاد العمل وأصحاب العمل وفي مقدمتهم بابكو من جهة، وبين الاتحاد ودائرة العمل والعمال من جهة اخرى – كان يتم بصورة سلسة. بل أنه على ما يبدو أن معظم الشركات و بابكو بالذات كانت ترتاح للتفاوض مع هيئة عمالية مسئولة تتفهم الالتزامات القانونية للجانبين، كاتحاد العمل، بدلا من المواجهة الفردية مع كل عامل على حدة.

ومن الجدير بالتسجيل أيضا،أن الخبير العمالي المستر (مارشال) المكلف بأعداد مسودة قانون العمل والعمال كان متحمسا لانجاز المهمة، وميالا بجانب حقوق العمال المشروعة. كما أنه لم يجد حرجا في عقد اجتماعات منتظمة مع هيئة اتحاد العمل لحل المشكلات التي كان يستعصي على لجنة وضع القانون حلها.

(ب) – أما فيما يتعلق بمناقشة مسودة قانون العمل والعمال من قبل أتحاد العمل، فقد كان بمثابة الشغل الشاغل للاتحاد منذ تأسيسه، وحتى أنجاز القانون بالصورة التي اتفق عليها في لجنة وضع القانون الرسمية، والتي تم تشكيلها على النحو التالي:

1- ثلاثة أعضاء ممثلين عن أصحاب العمل (الشركات والافراد) أحدهم من بابكو (السيد مكالوك) والثاني عن الشركات الاخرى – والثالث عن القطاع الخاص (رشحت الغرفة التجارية السيد محمد قاسم الشيراوي) 2- ثلاثة أعضاء عن العمال تم انتخابهم من قبل عمال البحرين وتحت اشراف لجنة محايدة أذكر من أعضائها السيدين صادق البحارنة و قاسم بن أحمد فخرو. وكان ألفائز بأكثر أصوات العمال هو السيد علي السيد حسين المسعود.. 3- ثلاثة أعضاء من طرف الحكومة (المستر سميث – السيد محمود العلوي...) وتولى رئيس دائرة العمل والعمال الشيخ علي الخليفة رئاسة اللجنة المكلفة بوضع القانون، وذلك بمساعدة خبير عمالي (مستر مارشل) وخبير قانوني.

 

(ج) وبالنسبة لانشطة اتحاد العمل البحراني الخارجية، فأنه لم يتبن أي نشاط مع المنظمات العمالية خارج البحرين. ولكن كانت تصله بالبريد دعوات من المؤتمرات العمالية، والنشرات التي كانت تصدر في الاغلب من المعسكر الغربي (الاتحاد الحر لنقابات العمال) وكذلك من المعسكر الاشتراكي (أتحاد العمال الاشتراكي الديموقراطي..)

4- فيما يتعلق بمناقشة مسودة قانون العمل والعمال، لا بد من الاشادة بالدور الذي قام به السيد محمد قاسم الشيراوي المشرف باعتباره حامل الراية في الدفاع عن حقوق العمال، وقد ابلى بلاء حسنا في التوقف عند كل كبيرة وصغيرة من النصوص والفقرات التي تنطوي على أدنى تحايل على حقوق العمال، وكان يقترح بدلا منها مستعينا بما توفر له من القوانين العمالية في البلدان الراقية. بل تعدى ذلك في الاصرار على منح العمال حقوقا غير واردة اصلا في قانون العمل البريطاني ولا في قوانين أخرى من مثل " أن يحتسب للعامل الوقت الضائع خلال المواصلات من وألى مقر العمل، ضمن ساعات العمل.. بالاضافة الى فقرات أخرى كان أصراره عليها يثير حفيظة ممثل شركة بابكو على الخصوص. مما دفعها للتهديد بنقل عملياتها من البحرين الى عدن، على ما سيأتي ذكره.

ومن الجدير بالذكر أن الخبير العمالي (السيد مارشال) قد حمل معه الى البحرين نسخة من القانون البريطاني لشئون العمال والنقابات الحرة، ليكون الاساس الذي يدور النقاش حوله من قبل أعضاء لجنة القانون. وقد شطب مندوبوا الشركات فقرات كثيرة من مسودة القانون وطالبوا بألغائها أو أستبدالها أو تعديلها. أما الجانب العمالي وبأصرار من محمد قاسم الشيراوي فكان يتمسك بما يراه متماشيا مع مصلحة العمال.

وكان الشيراوي يعرض نتائج المباحثات أولا بأول على هيئة اتحاد العمل، حيث ندرس معه التعديلات المقترحة ونتوصل الى الصيغة المطلوبة، والتحضير للأجتماع القادم وهكذا دواليك. وقد وصلت الازمة في سن مواد القانون أوجها منذ اواخر عام 1955 وتباطأت اللجنة في أعمالها حتى شبه عبد الرحمن الباكر مسيرتها ب "السلحفاة " وتعطل أنجاز القانون عن موعده..وكتب الباكر مستنكرا عدم أنجاز القانون خلال العام 1955 متهما الحكومة بانحيازها الى أصحاب العمل وخضوعها لضغوط شركة بابكو.. حسبما تم ايراده انفا من الفقرات التي كتبها بهذا الخصوص.

أما بالنسبة لنقاط الاختلاف فكانت كثيرة جدا تكاد لا تخلو فقرة منها، ومن بين الأمثلة عليها : مفهوم الخدمة المتواصلة للعامل، وأن تعتبر فوائدها للعامل سارية حتى مع انتقال العامل الى مستخدم جديد – ومنها عدم اشتثناء عمال الفلاحة – ومنها اعتبار حقوق العمال في شركات المقاولات التي تلجأ اليها الشركة الأصلية، كخدمة مستمرة مع الشركة الاصلية اذا تبين أن اللجوء الى المقاولين يستهدف تضييع حقوق العمال بنقلهم الى مقاولات مؤقته – ومنها أنهاء خدمة العامل من جانب صاحب العمل ووضع شروط تحول دون استغلال صاحب العمل لهذا الشرط، وتعطي العامل حق التظلم من الفصل.

- ومنها أن تتولى الشركات تحويل اشتراكات عمالها في النقابة، الى النقابة مباشرة. - ومن أعسر تلك المفاوضات ماكان يتعلق بزيادة الاجور عن طريق التفاوض الجماعي مع النقابات وعقد اتفاق معها لسنتين أو أكثر ثم التفاوض من جديد على زيادة الاجور بما يتناسب مع التضخم وارتفاع مستوى المعيشة.. الخ.. الخ..

ألا أن الخلاف الاكبر الذي وصل الى حد التصادم بين ممثلي العمال و شركة بابكو هو المتعلق بالبند (13-ب) المادة 37 – وفقراتها المتعلقة ب "حقوق ألادارة" فقد اصر محمد قاسم الشيراوي على أن يضاف الى هذه الفقرة ما يفيد بضرورة حصول الشركة على موافقة المستخدم على ما تقرره الشركة بشأنه..

وللعلم فان المادة 37 تنص على حق مجالس أدارة الشركات المطلق في تقرير ما تشاء بالنسبة للعاملين فيها،في التوظيف والفصل والتأديب والترقية وتخفيض الرتبة، وتعليق خدمات الموظف، ووضع أو تغيير الجداول، وأساليب العمل، والاجراءات، وأزالة أو أنشاء الاجهزة والمعدات بدون حصر لتلك الحقوق.. الخ.. فلما تأزم الوضع في المفاوضات على هذه المادة، دعت " بابكو " اتحاد العمل البحراني الى اجتماع عاجل في منزل رئيسها (أو نائب الرئيس) المستر سكينر.. وهو منزل أنيق في المنامة يمتاز بحدائقه الغناء، وكونه مكيف الهواء.. (ومكان المنزل اليوم هو المجلس الوطني)..

فلما بدأ الاجتماع فاجأنا عن الشركة المستر (ماكالوك) بتلغراف ارسلته الى بابكو الشركة المالكة (كالتكس) حيث ذكرت فيه أنه اذا اصر ممثلوا العمال على اقتراح محمد قاسم الشيراوي بتقييد حق الادارة بأن يكون مشروطا بموافقة المستخدم عليه، فأن الشركة سوف تنقل عملياتها من البحرين الى عـدن !! ولما رأينا مظاهر الاهتمام الجدي والحساسية الشديدة من جانب بابكو بخصوص هذه المادة، قمنا بمناقشة الموضوع من جديد مع الخبير العمالي المستر مارشل، ثم اجتمعنا في الاتحاد، حيث اقتنع الشيراوى بأن هذا الطلب غير معقول، و استبدلنا العبارة بأخرى تنص بأن يكون قرارات ادارات الشركات فيما يتعلق بالعمال ذات أسباب و مبررات معقولة ولا تتعارض مع نصوص القانون. ألا أن الاتفاق جرى في لجنة وضع القانون بعد ذلك، على حذف فقرة (المبررات) والاكتفاء بنص يفيد أن الشركات في مزاولتها للحقوق المنصوص عليها في هذه المادة (37) يحب أن لا تخالف ما هو منصوص عليه في هذا القانون أو أي قانون اخر.

وفيما يتعلق بمسودة القانون المعروض للمناقشة فقد كان يضم حوالى 40 صفحة تقريبا.وأكثر من 92 مادة بفصولها وفروعها، وذلك بالاضافة الى ثلاثة فصول ملحقة به (جداول)..وتضمن الفصل الثالث منه أنشاء النقابات العمالية من المادة 39 الى المادة92.

تضمنت فقراتها عناوين فرعية تضمنت أحكاما مثل : العضوية – وعدم اعتبار نشاط النقابة غير قانوني- وأضفاء حصانة قانونية عليها – وحق انشاء اتحاد للنقابات، واتحاد عام – وحق التفاوض الجماعي مع أصحاب الاعمال على الاجور وشروط وظروف الخدمة.-وأنشاء هيئة فض المنازعات ولجان التحقيق – ولجان التحكيم – وحق الاضراب عن العمل – وحماية النقابة من اتهامها في حالات الاضراب بتهمة التحريض –وحق المقاطعة السلمية – هذا بالطبع بالاضافة الى المواد المنظمة لمسئولية النقابات في مخالفة القانون... الخ.كما نصت المادة الاخيرة على أن تكون الصيغة العربية للقانون، هي الصيغة المعتمدة.

 

خاتمة المطاف:


في نهاية هذه الحلقات عن تاريخ وأحوال (أتحاد العمل البحراني) وبسبب غياب النسخةالاصلية لدى السيد محمد قاسم الشيراوي التي وقع عليها بالموافقة أعضاء لجنة وضع قانون العمل والعمال، لا يمكننا الجزم بأن النسخة التي بين أيدينا هي النسخة الاصلية المعتمدة كما رفعت الى صاحب العظمة بعد شهر أوغسطس من عام 1956. والتي - كما قيل –أن صاحب العظمة وقع عليها بالموافقة خلال شهر سبتمبر 1956.. واستلمها مستشار الحكومة السيد بلكريف، واحتفظ بها في درجه.. حتى أصدرت الحكومة قانون العمل والعمال لسنة 1957. بعد أجراء تغييرات عليه ربما وجدت أنها أكثر تناسبا مع زمن ما بعد (هيئة الاتحاد الوطني) ... والله أعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى